
يشكل الوسط المدرسي المكان الذي يتلقى فيه الأطفال تعليما يساعدهم على النمو وتطوير قدراتهم الحياتية والتعلمية. وتسهم المدرسة من خلال هذه الوظيفة، بشكل عميق في الارتقاء بالفرد وتنمية المجتمع، حيث تعتبر هاته الوظيفة الهدف الأساس من التربية فإنها لا يمكن أن تتجسد إلا إذا تمتع التلامذة بتعلم ذي جودة. إلا أنه في الآونة الأخيرة أصبحت هذه المؤسسات التعليمية مصدرا للعنف بمختلف أشكاله وأنواعه، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول مدى تأثير ذلك على سير العملية التعليمية التعلمية ومستقبل المتعلمين.
في المدارس المغربية نجد عدة أشكال للعنف، فيمكنه أن يكون عنف جسدي بين المتعلمين في علاقتهم ببعضهم، أو تنمر لفظي، أو حتى عنف موجه من المدرس إلى المتعلم، مما يؤثر سلبا على النمو النفسي والاجتماعي لديه.
اقتباس: "العنف المدرسي ليس فقط مشكلة تؤثر على الأطفال، بل هو أيضًا مشكلة تؤثر على المجتمع ككل."
أسباب العنف في المدارس المغربية:
الضغوطات النفسية والاجتماعية:
يواجه العديد من التلاميذ في المغرب تحديات اجتماعية ونفسية، قد تؤدي بهم في كثير من الأحيان إلى تبني وإظهار سلوكيات عدوانية داخل الفصل، إلى جانب الظروف الأسرية الصعبة مثل التفكك الأسري، الطلاق، بالإضافة إلى غياب الدعم العاطفي والنفسي للأسر تجاه أبناءها. كل ذلك يساهم في انتشار العنف داخل المؤسسات التعليمية.
ضعف مستوى التواصل بين المدرسة والأسرة:
في كثير من الأحيان نجد أن هناك تدني وضعف في التواصل بين الأسر والمدرسة، مما يساهم في خلق فجوة في فهم أسباب سلوكيات وتصرفات المتعلمين وسبل معالجتها. عندما لا يكون هناك تعاون وتضامن بين المدرسين والآباء، تصبح المدرسة بيئة أقل أمانا.
غياب التربية على القيم في المؤسسات التعليمية:
إن غياب القيم الإنسانية يمثل تحديا كبيرا في تنمية شخصية المتعلمين، حيث أن القيم تلعب دورا مهما وحيويا في تشكيل سلوكهم وتوجيه تصرفاتهم، فيمكن أن يؤدي هذا الغياب إلى العديد من المشاكل الاجتماعية مثل قلة الوعي، ضعف الروابط الأخلاقية، زيادة الأنانية والنزعة الفردية. لذلك من الضروري وضع برامج تعليمية تهدف إلى غرس القيم الأخلاقية مثل التعاون، الاحترام، الأمانة، والمساواة بالإضافة إلى تنفيذ أنشطة تطوعية تساعد المتعلمين على تطبيق وتفعيل هذه القيم في سلوكياتهم وفي حياتهم اليومية.
تأثير وسائل الإعلام:
تلعب وسائل الإعلام دورا أساسيا في تشكيل وتوجيه سلوك المتعلمين، حيث تؤثر على عاداتهم الدراسية وطريقة تفكيرهم وتفاعلهم وعلاقتهم الاجتماعية بين الناس، بالإضافة إلى تعرضهم لمحتويات غير مناسبة مثل الاعلانات المروجة للعنف – التنمر – أو السلوكيات غير الأخلاقية، مما يؤثر سلبا على أفكارهم ومعتقداتهم.
نتائج العنف المدرسي:
- القلق والتوتر: يؤدي التعرض للعنف إلى زيادة مستويات القلق والخوف لدى المتعلمين.
- ضعف الثقة بالنفس: يشعر المتعلم المعتدى عليه بالدونية والخوف من التفاعل مع الأخرين.
- الهدر المدرسي: قد يؤدي العنف المستمر إلى ترك المدرسة نهائيا.
- زيادة العنف في المجتمع: التلاميذ الذين يتعرضون للعنف، قد ينقلونه إلى محيطهم الخارجي.
- فقدان الاحترام للمدرسين: يؤدي العنف أحيانا إلى تدهور العلاقة بين المدرس والمتعلم، مما يؤثر سلبا على سير العملية التعليمية التعلمية.
إحصائيات حول العنف المدرسي:
يظهر البحث الذي أجرته اليونسكو بشراكة مع وزارة التربية الوطنية، في دراستها حول "تحليل وضعية العنف في المؤسسات التعليمية في المغرب" التي نشرها مكتب الرباط في عام 2007، ترى اليونسكو أن مظاهر العنف داخل النظام التربوي المغربي قد زادت خلال السنوات العشر الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه البيانات الإحصائية صادرة عن وزارة التربية الوطنية وعن مرصد العنف الذي أنشأته الوزارة. وقد سجل هذا الأخير حوالي 24000 حالة عنف سنة 2013-2014. ووفقا لهذه الدراسة سجلت الغالبية العظمى من حالات العنف في المدارس الابتدائية (69%)، والباقي في المؤسسات الثانوية الإعدادية والتأهيلية (31% أي 7748 حالة). فيما يتعلق بمرتكبي أعمال العنف، فإن الحالة الأكثر شيوعا هي العنف بين التلامذة (%64). تليها حالات الإضرار بممتلكات المدرسة من قبل التلامذة (8%). ويأتي العنف بين التلامذة والأساتذة في المرتبة الثالثة بنسبة %7.
ومن ناحية أخرى، تبين نتائج دراسة البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات لتلامذة الجذع المشترك، عام 2016 أن العنف لا يزال منتشرا على نطاق واسع في مؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي. ذلك أن (5/1) تلامذة المؤسسات التعليمية الثانوية يلجؤون إلى العنف اللفظي والجسدي. وتتعرض نفس النسبة لاعتداءات متنوعة.
وبالإضافة إلى ذلك، تعرض، في المتوسط، أساتذة %19 من التلامذة إلى عنف لفظي وأساتذة 16% من التلامذة إلى شكل من العنف الجسدي. وفي المتوسط، يلجأ أساتذة 45% من التلامذة إلى العنف اللفظي، بينما يصل أساتذة إلى 13% منهم إلى حد العنف الجسدي. وتؤكد هذه الدراسة نفسها تأثير العنف في تحصيل التلامذة الدراسية.
وتؤكد دراسة البرنامج الوطني لتقيييم مكتسبات التلامذة التي أجريت سنة 2019 مع تلامذة السنة السادسة ابتدائي والسنة الثالثة إعدادي أن العنف منتشر على نطاق واسع في المدارس الابتدائية، كما في مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي. وبالفعل فقد صرح أربع أطفال المدارس الابتدائية، وأكثر من ثلث تلامذة الإعداديات أنهم كانوا ضحايا العنف اللفظي على يد أقرانهم، وصرح 13% من تلامذة الابتدائي و 25% من تلامذة الثانوي الإعدادي أنهم أهينوا من قبل أساتذتهم. بالإضافة إلى ذلك، صرح ربع تلامذة التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي الإعدادي بأنهم تعرضوا للاعتداء الجسدي على يد أقرانهم. وزيادة على ذلك، يلجأ أساتذة 12% من تلامذة الابتدائي وأساتذة 19% من تلامذة الإعدادي إلى العقوبات البدنية.
وتؤكد هذه الدراسة بدورها، التأثير السلبي للغاية للعنف الجسدي واللفظي في مكتسبات التلامذة. لذلك يتبين أنه من المناسب تقييم وضعية هذه الظاهرة في المؤسسات التعليمية للوقوف على مدى انتشارها. وتكوين رؤية أوسع بصددها. والتفكير في التدخلات التربوية الكفيلة بالحد منها.
الختام
في الختام، يعد العنف المدرسي ظاهرة تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للمتعلمين، مما ينعكس سلبا على ثقتهم بأنفسهم وبيئتهم المدرسية. للتصدي لهذه المشكلة، يجب أن يتحد المجتمع كله من مدرسين وأولياء أمور وصناع قرار، لتوفير بيئة مدرسية آمنة وداعمة. من الحلول الفعّالة تقديم برامج توعية لجميع الأطراف المعنية، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي للمتعلمين. كما يجب تعزيز ثقافة الاحترام والتسامح من خلال الأنشطة المدرسية والتوجيه المستمر، لبناء مجتمع تعليمي يعزز من تطور الأطفال ويمنحهم فرص النجاح.
المراجع:
- المملكة المغربية: المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي)
- مؤشرات التربية، مدير الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، 2021
ملاحظة: "يجب على المعلمين وأولياء الأمور والهيئات التعليمية أن يتعاونوا لتحسين بيئة المدرسة وجعلها أكثر أمانًا ودعمًا للأطفال."